بينما تستعد المدارس في جميع أنحاء العالم للفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2020-2021 بخوف شديد من الجائحة، يحدثنا العديد من قادة المدارس عن التعلّم المدمج أو النموذج المهجّن
التعلّم المدمج
يجمع التعلّم المدمج بين نماذج تقديم التعليم؛ في الأغلب التعلّم وجهًا لوجه في نفس مكان التعلّم من جهة، والتعلّم المتزامن وغير المتزامن عبر الإنترنت من جهة أخرى. وقد استُخدِم هذا النهج بنسب نجاح متفواتة منذ أوائل الألفية الثالثة، بشكل رئيسي في أُطُر التعليم العالي [2&3]. إذ لم يعد غريبًا على الإطلاق في التعليم العالي أن يطلق البعض على ذلك اسم "الوضع الطبيعي الجديد" [4]. إلا أن هذا النظام لم يُختبر أو يُفهم بشكل موسّع فيما يخص التعليم ما قبل الجامعي
“نتيجة سياقنا العالمي الحالي لكوفيد-19، الذي شهد توقف مليار ونصف طفل عن الذهاب إلى المدارس منذ مارس 2020، ثمة فرصة لاختبار ما إذا كان، وكيفية كون التعلّم المدمج قابلًا للتطبيق ومنصفًا وسليمًا من الناحية التربوية، وما إذا كان نموذجًا مناسبًا للطفل والأسرة للمضي قدمًا ”
نتيجة سياقنا العالمي الحالي لكوفيد-19، الذي شهد توقف مليار ونصف طفل عن الذهاب إلى المدارس منذ مارس 2020 [5]، ثمة فرصة لاختبار ما إذا كان، وكيفية كون التعلّم المدمج قابلًا للتطبيق ومنصفًا وسليمًا من الناحية التربوية، وما إذا كان نموذجًا مناسبًا للطفل والأسرة للمضي قدمًا. يريد الناس بمختلف الأطياف أن تباشر المدارس عملها ولكن ما من أحد على دراية كاملة بكيفية تطبيق النموذج المدمج وإدارته، ولا بكيفية تخصيص الأدوار والمسؤوليات بطرق تحقق أهداف التعليم الاجتماعية والتنموية والتربوية
في "دروس من التعليم" - وهي سلسلة حلقات نقاشية عبر الإنترنت نظمتها بشكل مشترك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجامعة هارفارد والبنك الدولي لدراسة التعليم أثناء أزمة فيروس كورونا - تحدث الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، عن تفاؤله بشأن المستقبل رغم التحديات الكبيرة. من المؤكد أن كوفيد-19 أثبت كونه مُسرّع كبير للتغيير. في مصر، يبدو أن التحول الرقمي للتعليم وأساليب التقييم الجديدة حدثا بسرعة فائقة، رغم كون ذلك التحول في "الأوقات العادية" كان ليستغرق سنوات لكسب ثقة العامة. في الواقع، تبرز مصر كرائدة على مستوى العالم لمنصات التعلّم الرقمية، خصوصًا مع بنك المعرفة المصري باعتباره نجاحها الأكثر إبهارًا. بعد أربعة أيام فقط من إغلاق المدارس في 15 مارس، دُشِّنت منصة إدمودو عبر الإنترنت، واشترك بها في الأسابيع التالية عدد كبير من الطلاب (11.5 مليون) والمدرسين (1.16 مليون) والآباء والامهات (750.000) ليتاح لهم الدخول إلى الفصول الدراسية ومشاريع الطلاب وإدارتها (شوقي في حلقة البنك الدولي النقاشية- 2020)[6]. واعتبارًا من يوليو 2020، ستمتلك وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني خمس منصات تعمل عبر الإنترنت
شجعت المشاركات الكثيفة في منصات التعلّم عبر الإنترنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني على النظر في نموذج التعلّم المدمج في الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2020-2021، كاستجابةٍ ليس لكوفيد-19 فحسب، ولكن قد يوفر التعلّم المدمج حلًا طويل الأمد كذلك لمشكلة ارتفاع كثافة الطلاب في المدارس المصرية. ورغم أن الخطط لا تزال تجريبية ولا يزال هذا السيناريو افتراضيًا، فإن الطلاب سيتبادلون الحضور حسب الفصل أو الصف، حيث تحضر كل مجموعة إلى المدرسة بضعة أيام في الأسبوع، مع افتراض أن يتابع الطلبة في الأيام الأخرى من المنزل عبر الإنترنت وعبر المنصات أخرى. ووفقًا للطرح الحالي، سيستمر الأطفال دون الصف الثالث الابتدائي الذين هم في برنامج التعليم 2.0 الجديد في الذهاب إلى المدرسة يوميًا
هل يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا معلمين؟ هل يمكن للمعلمين التأقلم على النظام الجديد؟
يقتضي هذا السيناريو المعاد تصميمه للتعلّم المدمج نموذج تعلم جديد يكون فيه الآباء والأمهات شركاء فاعلين. وقد أشار الوزير إلى الآباء والأمهات بالـ"مرشدين"، إذ سيكونوا أعضاء في الفصول الافتراضية باعتبارهم "شركاء". وقد يكون من المفيد هنا أن نتعلم من الأعداد المتزايدة للممارسين الدوليين عن التعليم المنزلي، حيث يلعب الآباء والأمهات أدوار المعلمين ويبنون مجتمعات للتعلّم[7]ا
“قد يوفر التعلّم المدمج حلًا طويل الأمد كذلك لمشكلة ارتفاع كثافة الطلاب في المدارس المصرية […] إلا أن الأدلة القصصية من الآباء والأمهات الذين تعهّدوا بشكل غير متوقع بالإشراف على تعليم أطفالهم خلال كوفيد-19، تكشف عن بعض التحديات الهائلة ”
إلا أن الأدلة القصصية من الآباء والأمهات الذين تعهّدوا بشكل غير متوقع بالإشراف على تعليم أطفالهم خلال كوفيد-19، تكشف عن بعض التحديات الهائلة، ما لم تكن تلك التحديات كفيلة بأن تثنينا عن هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال، قالت إحدى الأمهات، وهي تعد سيناريو مثالي: إذ أن مستواها التعليمي والمادي مرتفعان وتعمل في اقتصاد المعرفة مما سمح لها بالعمل من المنزل، وتعد أسرتها مستقرة لا انفصال فيها بين الزوجين: "يا لها من نعمة أن أكون في المنزل مع أطفالي! أخيرًا لم أعد مضطرة إلى الجري والشعور بالذنب لعدم التواجد معهم، وقد أحببت المشاركة في دراستهم اليومية ... كان هذا هو الحال في الأسبوع الأول. بحلول الأسبوع الثاني أصابني الإرهاق وتخلّفت في عملي وصرت سريعة الغضب. وكانت هناك أشياء لم أكن معدّة لتدريسها، مثل الرياضيات واللغة. كان عليّ أن أحصل على مدرسين خاصين للمساعدة في تلك المواد". إن كان هذا سيناريو مثالي فلك أن تتخيل ما هو أقل مثالية: منزل يكون المستوى التعليمي للآباء فيه منخفض، ويعملون لساعات طويلة، ويعانون من ظروف صحية سيئة، ولديهم مشاكل فيما يخص إساءة المعاملة، ويعيشون في أوضاع غير مستقرة، ويحاربون الفقر ويكدّون لتلبية احتياجاتهم، ويعيشون في أسر يتواجد فيها أحد الأبوين لا كليهما، وليس لديهم اتصال بالإنترنت، وتستمر القائمة. في تلك السيناريوهات لا يتم التطرّق حتى إلى احتياجات التعلّم المختلفة للأطفال من مختلف الأعمار والقدرات. قد يكون بعض الآباء والأمهات قادرين على العمل كشركاء ومرشدين، لكن ذلك هو الاستثناء لا القاعدة
بالنسبة للمُعلمين، الذين يوصفوا أحيانًا بـ"الميسرين" أو "المرشدين" في هذا النظام البيئي التعليمي المتغير، كيف تبدو التربية؟ وكيف يبدو فن التدريس؟ كيف لهم أن يوجّهوا ويدعموا المتعلمين على أفضل وجه؟ ما هي قيم وعادات العقل والجسد التي يجدر بهم زراعتها، وكيف تختلف هذه الأمور في بيئة الإنترنت مقارنةً بالبيئة التي يتلاقوا فيها مع الطلبة شخصيًا؟ في عملهم على بيئات التعلّم الإلكتروني، يؤكد كل من كوب وكالانتزيس (2017)[8] على أن التعلّم الإلكتروني يجب أن يكون مصحوبًا بتحول في التربية، وهي مهمة ليست بالبسيطة أو اليسيرة
اتجاهات البحث
ثمة أسئلة معينة يجب علينا طرحها ونحن على مشارف تجربة جديدة كبرى أخرى في التعليم، سيكون لها تداعيات بعيدة المدى، إذ يتجاوز مداها كوفيد-19 بكثير. وفيما يلي نجد بعض الأسئلة التي قد تساعدنا على عملية الفهم والتحرّك
١. كيف يمكن للمُعلمين الانتقال من أسلوب تربوي يجلّ المعرفة الثابتة والتعلّم السلبي والتدريس للامتحان، إلى أسلوب يشجع على التعاون والتساؤل النقدي والتعلّم العابر للتخصصات في بيئة الإنترنت وفي محل التعلّم؟ كيف سيكون التعامل مع إعادة تأهيل المعُلمين وتدريبهم؟
٢. كيف يمكن إدارة المشكلات المتعلقة بحماية الطفل ورفاهيته وأمانه عبر الإنترنت وكيف يمكن ضمان ذلك في نموذج مدمج؟
٣. ما هو تأثير النموذج التعليمي المدمج على الأسر من حيث توزيع أدوار العمل بين الجنسين، ومن حيث دخل الأسرة ورفاهيتها؟
٤. ما هو تأثير النموذج التعليمي المدمج على الأطفال في الأسرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الإناث والذكور، والكبار والصغار، والقدرات الأكاديمية المختلفة، وذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال؟
٥. هل لدى الآباء والأمهات المعرفة والوقت والاهتمام ليكونوا شركاء ومرشدين مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني؟ هل يريدون أو يحتاجون إلى تدريب وإشراف؟ إذا كان الأمر كذلك فكيف سيتم؟
٦. هل سيفتح النموذج المهجّن الطريق أمام المزيد من تكافؤ الفرص، أم أنه سيحول دون ذلك، أم كليهما؟ كيف يمكن مراعاة قضايا العدالة وتعظيم فرصها؟
٧. كيف سيكون مردود نظام النموذج المدمج على سوق الدروس الخصوصية؟ هل سيؤدي ذلك إلى مشاركة المزيد من المدرسين في الدروس الخصوصية و/أم سيفتح الطريق أمام سوق أكثر وحشية للدروس الخصوصية؟ هل سيوفر فرصًا وأدوارًا مشروعة جديدة للمعلمين؟
في ظل الأزمة الراهنة، ثمة حاجة ملحة للإجابة على هذه الأسئلة حتى يتمكن صناع السياسات التعليمية من بناء قاعدة صلبة تستند إلى أدلة قوية لاتخاذ خيارات سليمة أثناء انتقالهم إلى تلك المنطقة المجهولة. هناك حاجة ماسة إلى البحث جنبًا إلى جنب مع التفكير والتشاور حول الأسئلة المتعلقة بالاتجاه المتغير للتعليم، حيث تمضي المجتمعات قدمًا في أوقات مثقلة بمخاطر هائلة، ولكنها غنية بفرص فريدة كذلك
المراجع
[2] Means, B., Toyama, Y., Murphy, R., & Baki, M. (2013). The effectiveness of online and blended learning: A meta-analysis of the empirical literature. Teachers College Record, 115(3), 1–47.
[3] Graham, C. R. (2013). Emerging Practice and Research in Blended Learning. In M. G. Moore (Ed.), Handbook of Distance Education, (3rd ed., pp. 333–350). New York: Routledge.
[4] Dziuban, C., Graham, C.R., Moskal, P.D. et al. (2018) Blended Learning: The New Normal and Emerging Technologies. International Journal of Educational Technologies in Higher Education. 15, 3, 1-16.
[5] UNESCO. (2020) Covid-19 Impact on Education. https://en.unesco.org/covid19/educationresponse (Accessed July 1, 2020)
[6] World Bank, Harvard, OECD Lessons from Education Webinar. (July 9, 2020). “Lessons Learned from Egypt during the Pandemic: Implementing Digital Technologies to Support Remote Learning and Student Assessment/Webinar.” https://www.worldbank.org/en/events/2020/07/09/joint-oecd-harvard-hundred-world-bank-webinar-accelerating-modernization-of-education-in-egypt (Accessed July 9, 2020).
[7] Homeschooling Global Summit 2020 https://2020.hgsummit.com/ (Accessed July 10, 2020).
[8] Cope, B. and Kalantzis, M. (Eds.) (2017) e-Learning Ecologies: Principles for New Learning and Assessment. New York: Routledge.
. تعرب د. هيريرا عن امتنانها الصادق للزملاء الذين قدموا تعليقات ثاقبة على مسودة سابقة لهذه المدونة: خوان مانويل مورينو، منار أحمد، نيللي الزيات، هاني زايد، ومصطفى عادل
ترجمة: شريف مجدي
:مصدر الصورة
<a href='https://www.freepik.com/free-photos-vectors/school'>School vector created by macrovector - www.freepik.com</a>
:[للاستشهاد بهذه المدونة]
ليندا هيريرا. ”التعلّم المدمج آتٍ لأحد المدارس القريبة منك: تأملات بحثية من مصر أثناء كوفيد-19“مشروع بحث وتوثيق التعليم 2.0. ١٤ يوليو ٢٠٢٠
https://www.rdp-egypt.com/ar/newblog/blended-learning-is-coming-to-egypt-covid-19/